“هذا هو دمي، دمُ العهد الجديد”
أيّها الأحبّاء!
هذه الليلة هي من أقدس ليالي ديانتنا المسيحيّة. ففيها تمّ العهد الجديد بدم المسيح، وفيها أنشأ السيّد المسيح سرّ الإفخارستيّا (أي سرّ القربان المقدَّس) وسرّ الكهنوت. أنشأ سرّ الإفخارستيّا عندما أخذ الخبز وقال لتلاميذه: “خذوا كلوا هذا هو جسدي”، وأخذ الخمر وقال: “اشربوا من هذا كلّكم، هذا هو العهد الجديد بدمي”. ثم ّ أنشا سرّ الكهنوت بقوله لتلاميذه: “إصنعوا هذا لذكري”. فإنّ الكاهن يُرسَم بنوع خاصّ لإقامة سرّ الإفخارستيّا.
أمّا مناسبة اجتماع السيّد المسيح مع تلاميذه فهي لتناول طعام الفصح، الذي هو ذكرى خروج اليهود على يد موسى النبيّ من مصر بعد أربع مئة سنة من العبوديّة، وذلك منذ ثلاثة آلاف سنة. وعندما وصل الشعب مع موسى إلى جبل سيناء، أعطاهم الله الوصايا العشر التي قرأها موسى على مسامع الشعب، وتعهّد الشعب بحفظها، وتمّ العهد بين الله وشعبه. هذه هي المعاهدة: الله يكون مع شعبه، شرط أن يحفظ الشعب وصايا الله. ولختم المعاهدة قدم هارون الكاهن ذبيحة حمل، ورشّ موسى دم الحمل على الهيكل الذي يمثّل الله وعلى الشعب، قائلاً للشعب: “هوذا دم العهد الذي عاهدكم به الربّ على هذه الأقوال”، أي على الوصايا العشر. وبواسطة الدم الذي هو رمز الحياة ارتبطت حياة الشعب بحياة الله.
ففي ليلة العشاء السرّي عندما قال يسوع لتلاميذه: “هذا هو العهد الجديد بدمي”، أُبطِل العهد القديم بدم الحيوانات، وبدأ العهد الجديد بدم المسيح الذي سفكه يسوع على الصليب. ففي العشاء السرّي أعطى يسوع معنى لموته الصليب، وهو مغفرة الخطايا واتّحاد الشعب بحياة الله. وفيما كان في حدث العهد القديم خمسة أشخاص: الله، والشعب بقبائله الاثني عشر، والنبيّ موسى، والكاهن هرون، والذبيحة التي هي الحمل، لم يبقَ في العهد الجديد سوى ثلاثة أشخاص: الله، والشعب الذي يمثله الرسل الاثنا عشر، ويسوع الذي هو في الوقت عينه النبيّ والكاهن والذبيحة، والوسيط الوحيد بين الله والناس. ففي العهد القديم كان الكهنة يقدّمون ذبائح حيوانات، أمّا في العهد الجديد فالمسيح الذي هو حمل الله قدّم ذاته، وبذلك رفع خطايا العالم. وفيما في العهد القديم حرّر الله الشعب في ليلة الفصح، على يد موسى، من عبودية فرعون، ففي العهد الجديد حرّرنا الله بواسطة المسيح، من عبوديّة الخطيئة.
وفي أثناء العشاء، غسل أيضًا يسوع أرجل تلاميذه علامة لتواضعه، ورمزًا لبذل ذاته لتنقيتهم من خطاياهم. وبعد العشاء ذهب إلى بستان الزيتون، وبدأت آلامه التي انتهت بصلبه المحيي.
فهذا ما نحتفل به في هذه الليلة: حفلة الغسل، وإنشاء العهد الجديد بدم المسيح، وإقامة الإفخارستيّا، وصلب المسيح، مع ترنيمة “اليوم عُلّق على خشبة”. وبما أنّه في المسيحيّة لا صليب من دون قيامة، نختم الترنيمة بإعلان رجاء القيامة: “نسجد لصليبك أيها المسيح، فأرنا قيامتَكَ المجيدة”.