«أما الذين قبلوه فقد أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أبناء الله»
أيّها الأحباء!
عيدنا اليوم هو عيد الانتصار على الموت. هو عيد الولادة الجديدة. في صلاة السحر قرأنا حدث قيامة المسيح. وفي القداس قرأنا حدث قيامتنا نحن: لقد قمنا مع المسيح الكلمة الذي فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس، والنور يضيء في الظلمة. والظلمة لم تدركه. الناس فئتان، بحسب ما ورد في هذا المقطع الإنجيليّ: الذين يرفضون المسيح الحياة ويبقون في ظلمة الخطيئة: “أتى إلى خاصته وخاصته لم تقبله”. والذين يقبلون المسيح وينفتحون على نوره، وبصيرون على مثاله أبناء الله: “أما الذين قبلوه فقد أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أبناء الله”. في أسبوع الآلام تبعنا السيّد المسيح في آلامه وشاركناه في موته. واليوم نشاركه في قيامته. فلا حياة من دون موت، ولا قيامة من دون صليب.
لا حياة من دون موت. هذا ما يريد السيد المسيح أن نعلنه لجميع الناس: “إنّ حبة الحنطة الواقعة في الأرض إن لم تمت تبقى وحدها، وأمّا إن ماتت فإنّها تأتي بثمر كثير.” الإنسان من طبيعته يميل إلى الأنانيّة وحبّ الذات. ويلجأ إلى كلّ الوسائل للسيطرة على الآخرين واستغلالهم لمصلحته الشخصيّة. هذه الأنانيّة هي أصل كلّ النزاعات بين الناس وأصل كلّ الحروب بين الدول. يسوع رسول المحبة علّمنا بموته على الصليب أنّه “ليس لأحد حبّ أعظم من أن يبذلَ الحياةَ عن أحبّائه”.
ولا قيامة من دون صليب: يسوع رسول السلام علّمنا بصليبه أنّه لا بدّ للناس من أن يتخلّوا عن أنانيّتهم، ويصلبوا أهواءهم وشهواتهم، للوصول إلى القيامة والعيش معًا بسلام، بحسب قول بولس الرسول: “إنّ الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات” (غلاطية 24:5). “المسيح هو سلامنا. فقد مات عن جميع البشر ليصالحهم بعضهم مع بعض، ويجعل منهم جميعًا، كما يقول بولس الرسول، “إنسانًا واحدًا جديدًا بإحلاله السلام بينهم، ويصالحهم مع الله في جسد واحد، بالصليب الذي به قتل العداوة” (أفسس 14:2-16).
لذلك في عيد القيامة تزول كلّ العداوات بين الناس، كما نرتّل في صلاة العيد: “هوذا يوم القيامة، فلنتباه بالموسم ولنقل أيّها الإخوة: إنّنا، من أجل القيامة، نصفح لمبغضينا عن كلّ شيء، ولنهتف هكذا قائلين: المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور”.
في هذا العيد، نطلب إلى السيّد المسيح، كما دحرج الحجر عن باب قبره وقام إلى حياة جديدة، أن يدحرجَ أيضًا الحجر عن باب قلوب جميع اللبنانيّين، فينفتحَ بعضهم على بعض، ويتقبّل بعضهم بعضًا، ويحبّ بعضهم بعضًا، ويخرجوا من الظلمة إلى النور، بحسب قول يوحنا الإنجيليّ في رسالته الأولى: “من قال إنّه في النور وهو يبغض أخاه فهو بعد في الظلمة. من أحبّ أخاه فهو ثابت في النور” (9:2-10).
في جوّ القيامة هذا، جوّ المحبة والمصالحة والسلام، نرجو أن تتحقّق رغبة جميع اللبنانيّين بأن يتمّ بدون تأخير، وفي المهلة التي يحدّدها الدستور، انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة. هذه المسؤوليّة قد ألقاها الشعب على عاتق نوّاب الأمّة. فنطالبهم بتحمّلها بدون تلكّؤ ولا تهرّب. ومع بولس الرسول نقول لهم كما نقول لجميع الذين آمنوا بالمسيح وبكلمته وبقيامته: “استيقظْ أيّها النائم، وقُمْ من بين الأموات، فيُضيءَ لك المسيح” (أفسس 14:5). المسيح قام – حقًّا قام!