من الصليب إلى القيامة ومن الموت إلى الحياة
ألقاها المطران كيرلس سليم بسترس، متروبوليت بيروت وجبيل وتوابعهما للروم الكاثوليك
في كنيسة القديس يوحنا الذهبيّ الفم، طريق الشام، في 31/3/2013
أمسِ صُلِبتُ معك أيها المسيح، واليوم أنهض معك بقيامتك. أمسِ دُفنتُ معك، فأنتَ يا مخلّص مجّدني معك في ملكوتكَ”
أيّها الأحبّاء! في الأسبوع العظيم المقدّس احتفلنا بآلام المسيح وموته على الصليب. وها نحن اليوم نحتفل بقيامة المسيح من بين الأموات. فقيامة المسيح تؤكّد لنا أنّ الموت، بالنسبة إلى الإنسان المخلوق على صورة الله، ليس نهاية كلّ شيء. الصليب، في المسيحيّة، هو طريق القيامة. المسيح القائم من الموت هو مصير الإنسان. قال يوحنا الذهبيّ الفم: “إذا أردت أن تعرف هوية الإنسان وكرامته، فلا تذهبْ إلى قصور الملوك، بل اصعدْ إلى عرش الله حيث يقيم المسيح جالسًا عن يمين الله الآب في المجد”.
يسوع هو ابن الإنسان. مصيره هو مصير كلّ إنسان: موت وحياة. قبِل الموتَ لكي يقول لنا إنّنا نحن أيضًا مائتون. فلندرك حقيقة كياننا. كثيرًا ما نعيش في قبور أوهامنا، في قبور أنانيّتنا وشهوتنا، في قبور غرورنا وكبريائنا، في قبور انقساماتنا وخلافاتنا ونزاعاتنا. إلى هذه القبور نزل يسوع ليقيمنا منها، ليوضح لنا هويتنا الحقيقيّة، ليقول لنا إنّ حياتنا ليست في تلك القبور، ليقول لنا: أنتم لم تُخلَقوا للموت بل للحياة، أنتم لم تُخلَقوا للبغض بل للمحبة، أنتم أبناء الله، أنتم أبناء القيامة، أنتم أبناء الحياة.
آلامنا وعذاباتنا وخطايانا هي علامة ضعف طبيعتنا البشرية. وهذا الضعف هو ما يظهر للخارج. لكنّ هذا الضعف لا يشكّل جوهر الإنسان. جوهر الإنسان لا يُرى بأعين الجسد بل يرى بأعين الإيمان. جوهر الإنسان هو المسيح القائم من بين الأموات والمنتصر على الخطيئة وعلى الموت. نزل إلى عمق عبوديتنا للخطيئة ليحرّرنا من خطايانا، كما قال: “من يرتكب الخطيئة هو عبد للخطيئة، والعبد لا يقيم في البيت على الدوام. فإذا حرّركم الابن صرتم في الحقيقة أحرارًا”.
المسيح القائم من الموت يريد أن يدخل إلى أعماق قلبنا ليملأه من نوره الذي لا يغيب. إنّ فضاء قلوبنا السرّي، عندما يسكنه يسوع القائم من الموت، لا تعود له حدود، بل يتسع، كما يقول بولس الرسول، على مدى “محبة المسيح التي تفوق كلّ إدراك، فيمتلئ هكذا من كلّ ملء الله” (أفسس 19:3).
في صبيحة هذا اليوم، الذي هو فجر الحياة الجديدة، نطلب إلى المسيح المنتصر على الخطيئة والموت أن يقيمنا معه إلى حياة المحبة والمغفرة، وأن يردّ إليه قلوب جميع اللبنانيّين ولا سيّما المسؤولين في الدولة، ليحافظوا على رسالة لبنان بإنماء المحبة بين جميع المواطنين، ويتعالَوا على المصالح الشخصيّة والحزبيّة والمذهبيّة. وفي هذا الصدد من غير المقبول على الإطلاق أن يبقى ممثّلو الأمّة مختلفين على قانون الانتخابات، وينطلقوا من اختلافهم ليمدّدوا لأنفسهم مخالفين بذلك أبسط قواعد الديمقراطيّة. كما نطالب بالإسراع في تشكيل حكومة جديدة تُعنى بهموم المواطنين وتعمل على تطوير مؤسّسات الدولة بما يعود للخير على جميع أبناء هذا الوطن.
المسيح قام – حقًّا قام!