أحبّوا الى ما لا نهاية
توجّه الربّ يسوع بتعاليمه الى الجموع المتراصّة حوله، وأسمعهم ما يجب عليهم ان يتمّموه، وما ائتمن شهوده على تبليغه الى الناس جميعًا.
قال :
“أمّا أنتم أيّها السامعون فإنّي أقول لكم: أحبّوا أعداءكم. أحسنوا الى مبغضيكم. باركوا لاعنيكم.
صلّوا لأجل الذين يفترون الكذب عليكم …
أحبّوا أعداءكم. وأحسنوا وأقرضوا غير راجين شيئًا فيكون أجركم عظيمًا. وتكون بني العليّ، فإنه هو يرفق بالجحودين والأشرار.
فكونوا رحماء كما أنّ أباكم رحيم” (لوقا ٦: ٢٧- ٢٨ و ٣٥ – ٣٦).
بهذه الكلمات ألقيت يا ربّ، علينا جميعًا دسًا عميق الأثر يقودنا الى أوصاف الحياة المسيحية الحقّة والتصرّف المسيحيّ الحقّ.
وإنّ ما أوكلته إلينا بهذه الأقوال لشأن عظيم. وإنّ ما وثقت بنا أنّا نصنعه على ضعفنا فهو من نوع المعجزات، من نوع ما يفوق قدرة البشر. ومع ذلك قلت افعلوا ذلك !
قلتَ : إنّي أطلب منكم المحبّة، محبّة لا حدود لها، كالاستعداد للخدمة والعون لا يتراخى ولا يغلبه العناء. أحبّوا لا عن طمع في منفعة، بل مجّانًا، “غير راجين شيئًا”، وغير متطلّعين الى أجر يردّ عليكم أتعابكم.
قلتَ لنا :
١) أنتم لكم فن، ولكم شفتان ولسان، لا لتشتموا من يشتمكم وتردّوا اللعنة على من يلعنكم. لكم فم وشفتان ولسان كي تباركوا وتوسّعوا رحاب البركة.
لكم لسان لكي ينطق بكلمات التعزية ويؤاسي الحزانى، ويسلّي كسيري القلوب والذين ترهقهم الوحشة.
لكم لسان لكي تلتفتوا الى الذين أساءوا اليكم والذين تكدّس على قلوبهم الإثم وحبست نفوسهم الخطيئة لكي تسمعوهم كلمات المغفرة والمصالحة.
لكم لسان لكي تنشّطوا عزيمة المتخاذلين والبائسين، والذين لا قدرة لهم على متاعب الحياة.
لكم لسان لكي تنعشوا الرجاء في من انغلقت أبواب المستقبل أمام عيونهم.
أنتم لكم فم، وشفتان ولسان لكي تبعثوا الفرح في قلوب الحزانى، وتشاطروا الذين يتفجّر الفرح في قلوبهم فرحهم.
٢) أنتم لكم يدان لا للبطش والقهر والعنف. لكم يدان لتمدّوا الناس بالعون، وتجزلوا العطاء. لكم يدان لتقدّموا الهدايا، ولكي تتقبّلوا العطيّة ممّن يأتيكم بها.
ولا داعي هنا الى الأخذ والردّ على حدّ سواء. ليس الأمر أمر استعادة المعروف. ولا حاجة لأن تُضبَط في هذا الحقل الموازين. فيأسى من لا يستطيع أن يؤدّي المثل لمن أحسن اليه. وأنت قلت يا ربّ في موضع آخر : “مجّانًا أخذتم مجّانًا اعطوا” (متّى ١٠: ٨).
٣) لكم رجلان لتسارعوا الى حيث تدعوكم الحاجة والفاقة. والى حيث يجب أن تتفتّح المبادرات الطيّبة وتنطلق العزائم الخيّرة.
٤) لكم فهمٌ لكي تتبصّروا في تحليل الوقائع واكتشاف الروابط، ولكي تستنبطوا الوسائل لصنع الخير وجعل الصلاح يسود في حياة الناس.
٥) ولكم خصوصًا قلبٌ مقدام تدفعه العزيمة على العمل المليء بالمحبّة، بلا تردّد ولا حساب. لكم قلبٌ تحبّون به حتى اعداءكم وتصنعون به الخير حتى لمبغضيكم.
هذه المحبّة وحدها، التي تحب الى ما لا نهاية، هي قبس من محبّة الله التي يشمل بها جميع خلائقه. وهذه الرحمة هي نفس من رحمة الله التي ينعم بها على جميع الناس.
وختمتَ يا ربّ بقولك : “فكونوا رحماء كما أنّ أباكم رحيم”.
فامنحنا، يا ربّ، من رحمتك ومحبّتك.
الأب عادل تيودور خوري